في فبراير 2017، خرج السادات من المشهد السياسي عبر بوابة الأجهزة الأمنية، بعد أن اتهمه الرئيس السابق لمجلس النواب، علي عبد العال، ووزيرة التضامن الاجتماعي السابقة، غادة والي، بالاستقواء بالخارج، والتواصل مع المنظمات والسفارات الأجنبية فيما يخص الشأن الداخلي. بل وذهب رئيس وأعضاء ائتلاف دعم مصر، المحسوب على الدولة، إلى أبعد من ذلك وطالبوا بإسقاط جنسيته وإحالته للنيابة العامة بتهمة التخابر.
غير أن مرور أربع سنوات كان كفيلًا بعودته إلى صدارة المشهد من جديد عبر بوابة الأجهزة الأمنية نفسها، والتي فضَّلته عن أجهزة الدولة المعنية بتحسين حالة حقوق الإنسان ورجّحت كفته في مواجهتها، بل وأسندت له مهمة تحسين وجه النظام في الخارج.
حاور «مدى مصر» السادات عن طبيعة الدور الذي يلعبه في الوقت الحالي، ومهام مجموعة الحوار الدولي التي لا يتحدث عنها سواه. أُجري الحوار قبل أيام من إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في إطار توجه الدولة لتحسين صورتها في الخارج في مواجهة الانتقادات المستمرة لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
مدى: ما هو دور مجموعة الحوار الدولي في الداخل والخارج؟
السادات: مجموعة الحوار الدولي مهمتها الأساسية الخارج وليس الداخل. كل يوم فيه بيانات من المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف أو البرلمان الأوروبي أو الكونجرس الأمريكي وغيرهم، وانتقادات لمصر بسبب الحبس الاحتياطي وتدوير السجناء، وإيقاف الباحثين العائدين من الخارج. وهذه الصورة بحاجة إلى معالجة، بعضها حقيقي بالفعل وبعضها مبالغ فيه، وبعضها المنظمات الأجنبية سمعته من طرف واحد.
كمجموعة حوار محتاجين نبقى عارفين وعايشين إيه اللي بيحصل في مصر. نحاول نحقق نجاحات ونقول لهم حصل على إيدينا إفراج عن هؤلاء، وبدأ غلق القضية 173، والرئيس سيطلق استراتيجية لحقوق الإنسان قريبًا* بتحدد محاور وسياسات واضحة محتاج يبقى معايا مادة أرد بيها على الناس في الخارج، خصوصًا إننا نتواصل مع سفراء تلك الدول في مصر ونستطيع تحديد ملاحظاتهم على أداء مصر في ملف حقوق الإنسان والحريات قبل السفر إلى دولهم للرد عليهم بكلام حقيقي. أنا أؤمن بأن سياسة الإنكار لا تفيد، نعترف بوجود مشاكل في ملفات معينة ونعدهم بالعمل عليها.
وبصراحة كثير منا لا يستطيع إنكار إن لدينا نجاحات في الاقتصاد وفي الزراعة وفي الصناعة وفي غيرها، تستحق دعم وإشادة الداخل والخارج. مشروع حياة كريمة على سبيل المثال بالنسبة لي كممثل دايرة في المنوفية هو مشروع عظيم. الريف محتاج إنه يبقى له شكل حضاري، ولكن زي ما في في حاجات عظيمة في ملفات محتاجة تاخذ نفس الرعاية من الرئيس السيسي، منهم الملف السياسي وكل ما هو متعلق بالأحزاب والمناخ السياسي والإعلام والمواقع. وملف الحقوق والحريات لو الرئيس اهتم بهم وأعطاهم نفس الاهتمام هنبقى في حتة تانية خالص.
مدى: لماذا تُبلغك الأجهزة الأمنية بقرارات إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا قبل تنفيذها؟
السادات: أؤدي دور مفقود بين السلطة والمعارضة في الداخل، وبين السلطة والجهات والمنظمات الأجنبية في الخارج.
وموقفي واضح من البداية، قلت إننا نتكلم مع مؤسسات الدولة وأجهزتها، مبنشتغلش مرشدين ولا تحت الترابيزة. فاتحين خطوط اتصال مع النيابة العامة ونيابة أمن الدولة والمحاكم العسكرية والأمن الوطني والمخابرات العامة، ولا يوجد على راسنا بطحة. فيه غيرنا بيشتغل مع الأجهزة بس بيكتب تقارير ضد زملائه.
أستعيد دور وطني كنت أقوم به وقت رئاستي للجنة حقوق الإنسان في البرلمان، ولكن وقتها مكنش في حد بيسمع ولا بيقدر. الآن هناك جهات نقدر نتكلم معاهم ونقولهم أسماء ويراجعوهم ولم يعد الأمر قاصرًا على المحبوسين احتياطيًا، وإنما هناك باحثين مصريين كثر في الشهور الماضية عادوا من أوروبا لزيارة أهلهم، ودخلوا وخرجوا من البلاد معززين مكرمين، بعد التنسيق معانا لتلافي حدوث مضايقات أمنية في المطار. وهناك عشرات الحالات الإنسانية الذين تواصلنا مع الأجهزة الأمنية بشأنهم لإدخال أدوية لهم، أو كتب أثناء الامتحانات، أو تمكينهم من حضور جنازة أحد أقاربهم. وتدخلنا لإنهاء القضية 173 الخاصة بمنظمات المجتمع المدني، وأتوقع إنهاء إجراءات التحفظ على الأموال والمنع من السفر لجميع المتهمين قريبًا باستثناء من طالب منهم واشنطن بتعليق المعونة العسكرية الأمريكية (300 مليون دولار) لمصر.
مدى: ولماذا تعطيك الأجهزة الأمنية هذا الدور وليس لقيادات حزب مستقبل وطن صاحب الأغلبية مثلًا؟
السادات: لو قيادات مستقبل وطن لديهم القدرة على فتح حوار مع الخارج فهذا هو المفتاح وعليهم أن يتفضلوا. ولكن عمليًا لديّ قبول من جميع الأطراف سواء الأجهزة الأمنية التي تشعر أنها أخطأت في حقي بإخراجي من مجلس النواب السابق، أو من المعارضة من أقصى اليسار لأقصى التيار الناصري، وهؤلاء لن يتحدثوا مع مستقبل وطن أو مع أعضاء تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، لعدم وجود كيمياء بينهم.
عندي من الخبرة كسياسي وبرلماني فاهم دواليب الدولة من ناحية، واسمي له تأثير في الخارج والأجانب بيسمعوا مني من ناحية ثانية.
ولست في خصومة مع أحد من المعارضة، معنديش حد محبوس بدافع عنه، وإنما أدافع عن أعضاء أحزابهم، الكرامة والتحالف الشعبي والعيش والحرية والدستور، وطلبت من مدحت الزاهد [رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي] وفريد زهران [رئيس حزب المصري الديمقراطي] حضور اجتماعاتي مع قيادات الأمن الوطني أكثر من مرة للتفاوض بشأن أعضائهم المحبوسين، ولكن البعض يفتقد حساسية التعامل مع الأجهزة الأمنية.
وفي النهاية، تقريب وجهات النظر بين الأجهزة الأمنية والمعارضة يُسهِّل مهمتنا في الخارج كمجموعة حوار دولي.
مدى: لماذا تُنسب الوساطة في إخلاءات السبيل لمجموعة الحوار الدولي وليس لك أو لحزب الإصلاح والتنمية الذي تترأسه؟
السادات: العمل عمل جماعي. نحن مبادرة مستقلة تضم في عضويتها أحزاب الإصلاح والتنمية، ومستقبل وطن والشعب الجمهوري وحزب النور. لكن أنا متفرغ أكثر من باقي أعضاء المجموعة لأنهم نواب بمجلسي النواب (فضية سالم وسحر البذار وإيهاب رمزي ويوسف الحسيني)، والشيوخ (أشرف ثابت) وبعضهم عنده ارتباطات مثل السفيرة مشير خطاب. ولذلك أنا كمنسق للمجموعة ظاهر أكتر من الناحية التنفيذية أو التحركات في كل ما هو متعلق بالأوضاع الداخلية والاتصالات الخارجية كذلك.
مدى: إيه دور باقي أعضاء المجموعة في الإفراج عن المحبوسين؟
السادات: كلنا بتجيلنا حالات من أهالي المحبوسين بنبص فيها ونعيد صياغتها وبقدمها للأمن الوطني ليتواصل مع باقي الأجهزة. ولكننا نعمل هذا الدور في ظل إمكانياتنا المحدودة.
أنا حالي واقف والناس ماسكة فينا واحنا مش ملاحقين، لأننا في النهاية لسنا مؤسسة معنية. لا احنا لجنة العفو ولا احنا لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب والشيوخ ولا احنا المجلس القومي لحقوق الإنسان، هؤلاء معنيون بهذا الأمر. احنا بنعمل جهد ثانوي لسنا معنيين به، ولكن ده قدرنا ولو هختم حياتي السياسية مش هعمل حاجة غير مساعدة أهالي المقبوض عليهم فده كافي لي.
بشوف فرحة الناس اللي بستقبلهم سواء في طرة أو في مقرات الأمن الوطني، أنا شوفت حاجات تخليني أسيب أي حاجة وأقف مع الناس دي. شفت بنت من الإسكندرية في مقر الوطني بالقاهرة كانوا مغميين عنيها. وهى بتقول أنا مش عارفة أنا في سموحة ولا فين في الإسكندرية صعبت عليا.
مدى: وإلى متى ستقوم مجموعة الحوار الدولي بهذا الدور؟
السادات: الرئيس السيسى سيطلق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان خلال أيام*. بموجب تلك الاستراتيجية ستكون هناك لجنة دائمة تعمل على تطبيقها وفقًا لخطة محددة.
ومن هنا هيبان مستقبل مجموعة الحوار الدولي هتكمل أو ستأخذ شكل آخر. فإذا تولى أحد أجهزة الدولة مهمة حل أزمة المحبوسين احتياطيًا سنترك لهم الدور ونتفرغ لدورنا في الخارج.
مدى: ولكن الدولة لديها وزارة الخارجية وشركات دعاية، فلماذا تقومون بدورهم في الخارج؟
السادات: الدولة الرسمية ممثلة في الخارجية لا يُستمع لها في الخارج، وكذلك شركات الدعاية لأنها تقدم خدمة مدفوعة الأجر. ولكن إن لم يكن هناك أشخاص لهم مصداقية وليسوا محسوبين على الدولة والحكومة يقولون كلمة حق، ويقدموا لصانع القرار توصيات محددة فلن تحل مشكلتنا مع الخارج.
مدى: ما رأيك فيمَن يرى أن دورك يحرج باقي أجهزة الدولة المعنية؟
السادات: أنا بروح استقبل الحالات وبقعد معاهم قبل ما يُفرج عنهم وأتفق معكِ أن هذا يحرج بعض الجهات، ولكن على كل جهة أن تشيل شيلتها وتقوم بدورها.
لجنتا حقوق الإنسان في النواب والشيوخ عليهما أن يعملا دورهما في تلقي مظالم الناس وشكاويهم واستغاثاتهم والتواصل مع الأجهزة الأمنية لحلها، سواء بإخلاء سبيل المحبوسين كما نفعل، أو بتمكين أهاليهم من زيارتهم أو غيره لأن لهما صفة، وكذلك المجلس القومي لحقوق الإنسان، هما مستنيين إيه؟
أرى أن صلاحيات المجلس [القومي لحقوق الإنسان] انتهت من زمان، لا يفعل شيئًا والأمر أثار حفيظة كثيرين، ولكن سيعاد تشكيله قبل نهاية العام ورشحت السفيرة مشيرة خطاب لتولى رئاسته. ولجنة العفو الرئاسي مش شغالة.
على كل الجهات المعنية أن تقوم بدورها لتخفيف آلام الناس وإنهاء معاناتهم. الأجهزة تستجيب لمطالبنا بالإفراج عن المحبوسين احتياطيًا بالقطارة، ولكن طموحنا كبير نفسنا بدل ما نخرج 3 و6 و10 محبوسين يبقوا 500 لكن بنجتهد قدر استطاعتنا ولكن إذا كان هناك آخرين يقدروا يعملوا أكتر فيا ريت الكل يتكاتف.
مدى: وكيف تعمل دورة الإفراج عن المحبوسين؟
السادات: الأمر يبدأ بتلقي أعضاء مجموعة الحوار استغاثة أو تظلم من أهالي المحبوسين، ثم نقوم بفحصها ونعيد صياغتها بطريقة لا تستفز الأمن. أحيانًا بتجيلنا استغاثات من حالات كاتبين ابني أو جوزي «اختفى قسريًا» أو تم «اعتقاله». دي ألفاظ بنشيلها وبنستبدلها بعبارات تؤدي نفس المعنى مثل «تم احتجازه» أو «تم توقيفه» لعدم استفزاز الجهات الأمنية، ونقدمها للأمن الوطني لأن الصادر ضدهم أحكام إجراءات العفو عنهم تطلب التواصل مع لجنة أخرى. ولكن غالبية عملنا يخص المحبوسين احتياطيًا، وذلك عن طريق عمل لجنة تضم أعضاء من المخابرات العامة والأمن الوطني. وفي حال تعلق الأمر بشخص من سيناء تنضم المخابرات الحربية، واللجنة هي صاحبة القرار وهي المسؤولة عن التواصل مع النيابة.
ثم يرد عليّ ممثل الأمن الوطني في اجتماع أسبوعي بموقف كل حالة. «الحالة دي لسه منقدرش نتعامل معاها عشان في تحقيقات تستكمل بشأنها» أو «الحالة دي متواصلة مع جهات أجنبية» أو «مرتبطة بوضع سياسي معقد»، وهكذا.
قضية مجموعة الأمل مثلًا لا يوجد اعتراض لدى الأجهزة الأمنية على الإفراج على عدد من المقبوض عليهم غير أن وجود رامي شعث وزياد العليمي بينهم يعطل الإفراج عن باقي المحبوسين فيها. ولكن أرى أن هناك اتجاه لإنهاء القضية وذلك عبر إصدار محكمة الجنح حكم بسجن المتهمين فيها ثلاث سنوات قد قضوها بالفعل خلال الحبس الاحتياطي.
صفوان ثابت مثلًا تربطني به علاقة طيبة وطالبت بالإفراج عنه ونجله، ولكن لا توجد استجابة من الأجهزة بشأنه. قالوا لي مش وقته خالص والقرار ليس في أيديهم، وأطالب اتحاد المستثمرين بتحمل مسؤولياته ومناشدة الرئيس السيسي للتدخل والإفراج عنه.
والإسلاميين وكل ما هو قريب منهم غير مسموح لنا بالحديث عنهم، ولكن بخلاف ذلك ربنا كرمنا في أعداد كبيرة لشباب بسطاء مش مشهورين من المحافظات من المقبوض عليهم في المظاهرات التي دعا لها المقاول محمد علي في سبتمبر 2019.
متفائل من وجود اتجاه لإنهاء أزمة الحبس الاحتياطي، وذلك عن طريق الإحالة لمحاكم الجنايات والجنح كطريقة لإخلاء سبيل المحبوسين الذين سيتساءلون عن مبررات الحبس الاحتياطي. وقدمنا مقترح باستبدال الحبس الاحتياطي بعدد من التدابير الأخرى، ومنع المخلى سبيلهم من الذهاب للقسم يوميًا أو أسبوعيًا للمبيت أو للمتابعة لكن الموضوع بياخد وقت.
مدى: لماذا تقتصر إخلاءات السبيل على ثلاثة أشخاص في كل مرة؟
السادات: عندما تم استدعائي في 29 أغسطس الماضي لاستقبال المُخلى سبيلهم، بُلغت بأن عدد المُخلى سبيلهم من ستة إلى تسعة أشخاص. وخلال الساعات التي انتظرتها بمقر الأمن الوطني، كان يستعد للخروج معي الصحفيان أحمد شاكر ومحمد صلاح والمنتج السينمائي معتز عبد الوهاب وكان الاتفاق إنهم هيخرجوا مع الصحفية شيماء سامي، واليوتيوبر شادي سرور، وعضو حزب العيش والحرية زياد أبو الفضل. ولكن في آخر لحظة حصل اعتراضات من أحد الأجهزة وطلب إنهم يخرجوا على دفعتين.
أنا ببقى عارف أن النهاردة في إخلاء سبيل، ولكن الأسماء بتكون لآخر وقت غير مستقر عليها. صحيح أن مرحلة الأمن الوطني هي المرحلة الأخيرة ولكن أحيانًا قيادات الأمن الوطني أنفسهم أو الجهاز وجهاز آخر يعترضوا على بعض الأسماء فممكن يجي تليفون يقولوا خلي فلان شوية. ومفيش مقياس ولا معيار لخروج فلان وتأجيل فلان، لذلك نفضل منعلنش الأسماء غير بعد الإفراج فعلًا. في رأس السنة الهجرية بلغوني إن هيكون فيه إخلاءات وجيت مخصوص من الساحل ولكن الأجهزة اختلفت نتيجة التحفظ على أحد الأشخاص وتم تأجيل القرار.
مدى: لماذا يشتكي بعض المحامين من إعلانك أسماء موكليهم بعد صدور قرار بإخلاء سبيلهم من المحكمة؟
السادات: لسنا في منافسة مع المحامين، وإنما نساعدهم في عدم تدوير موكليهم بعد صدور قرار بإخلاء سبيلهم من المحكمة. ياما المحكمة بتدى إخلاء سبيل لمتهمين والنيابة بتدورهم تاني في قضايا جديدة، لو مفيش ترتيب مع الأمن هيتدوروا.
هذا الحوار أجراه موقع “مدى مصر”، مع رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد السادات، ونشره هنا لا يعني أنه يعبر بالضرورة عن رأي خمسة بالمصري